مرّ الوقتُ طويلًا على حروفي..
كما قد مرّ عصيبًا على مشاعري، بتّ أكبتها ولا أكتبُها،
لا أشارك قلمي وحبري أيًا من تلك التفاصيل الصغيرة كما مضى.. كما عهدوني.
ولا أخفى على نفسي بأني وجدتُ أماني واستقراري في غُربتي، في ذلك الغريب البعيد كل البُعد عن خيالي.
رغم اختلاف الزمان والمكان.. مُحلِّقين بين الغيومِ، فوق ملايين البلدان والقارات.. التقينا.
ويا لها من لُقيا حين التقت الأعين ببعضها.. رُغمًا عن أعيُنِهم.. ووجودهم. رغمًا عن الظلام، لم يكن هذا عائقًا ليمنعني عن البحث عن النور.. بين عينيك.
بدأت عيناي باللمعان، بدأ قلبي بالخفقان.. وبدأ الحُبُّ تلك الليلة.
قيل في ديسمبر تنتهي كل الأحلام، أخذت تلك القاعدة مسارًا خاطئًا، وبدأت كلُ أحلامي في ديسمبر..
كان الأمرُ أشبَه بالمُستحيل، أبعدُ من الخيال وأصعب من الحقيقة، عدا أن الأمر لم يدُم طويلًا كونهُ صعبًا،
ففي ليلة قمريةٍ بدرُها مكتملٌ اجتمعنا، وجدت عيناي مسكنها بين مُقلتيك، وجدتُ طمأنينتي بين كفّيك حين اشتبكت الأناملُ ببعضها. أحكمتُ القبض عليها بكُلِّ ما أوتيتُ من قوةٍ حتى لا تفلت مني.
تلك اللحظات التي قضيتها معك، بحلوها ومُرّها، تخلدت فيّ وأصبحت مني. تلك الليالي التي أُسند فيها رأسي على كتفك وأبدأ دون تردُّدٍ، أبدأ بقصِّ تفاصيل يومي المُمل، ما إن كانت قهوتي حلوةً أم مُرَّةً، ما إن كنت أرتدي معطفًا جديدًا، أو حذاءً جديدًا، أو سُترةً بيضاء تعمدتُ ارتدائها لتُطابق سترتك.. فتخرجُ تلك الطفلة التي بداخلي لتُخلّد تلك اللحظة، وكأنك تُصبح جُزءًا مني وأقربُ لي.. ولا أُخفي عليك بأن حُبي وتعلُقي بتلك القطعة يتضاعف.
ولا أُخفي عليك أيضًا حُبِّي للرحلات الليليةِ الطويلة التي لا وجهة لها، يقودنا الطريق ويأخذنا لدربٍ لا نهاية له، كم أتمنى في تلك اللحظة أن يكون حقًا طريقًا لا نهاية له لأقضي ما تبقَّى من الليل معك، تُصاحبنا النجوم برفقة القمر.. ويرافقنا عبدالله المانع بتلك الأغنية التي يُفضلها كلانا.. أصواتنا العالية ونحنُ نُغني، نُردد كلمات الأغنية بكُلِّ مُتعة، كفّك بكفّي، عيني بعينك.. وطريقٌ طويل.
شاء القدر أن يجمعني بمن لم يخطر في بالي يومًا، مُمتنةٌ لتلك الرحلة، لتلك الليلة التي كانت سببًا في أن تقع عيناك بعيني ولم ترُف عنّي لحظةً بعدها.
دائمًا ما كنتُ أرددُ ذلك على مسامعك، بأن اجتماعنا وتعارفنا، ما هو إلا من وراء القدر.. لأجتمع بمن هو مُقدَّرٌ لي بأن أقع في حُبِّه.
لم يكُن القدر صديقًا لي في الآونة الأخيرة.. فقد شاء بأن يُبعد عيناك عن عيني، بأن ترُفَّ عني وتُغمض بعيدًا عن خُطاي.
لم أعتد على أن ألتفت نحوك ولا تكونُ عيناك مُتجهةً نحوي، تُراقب أعين جميع الحاضرين، ما إن كانت مُتجهة نحوي أم لا، تطمئن بأن عيناك الوحيدتان اللاتي تتأملاني. و”يعزُّ عليّ، حين أديرُ عيني، أفتشُ في مكانكَ لا أراكَ”
لا أملكُ الجرأة الكافية لأشتم القدر وألعن فيه، فقد أتاني بك، وإن لم يدُم الأمر طويلًا.. فإني مُمتنةٌ له. ومُمتنةٌ لمعرفتك وحُبِّك.
يدُك التي أحكمتُ القبض عليها بكلِّ ما أوتيتُ من قوةٍ.. أفلتَّها مني.
ذلك الطريقُ الذي خلتهُ طويلًا.. لم يُصب خيالي. ويا ليته أصاب.
ذلك الغريبُ.. أحياني، أعادني لحروفي، وما لها أن تكون كالبقية، فإنها كُتبت لهُ، منهُ، وإليه.